.../... تابــع
الفرع الثاني : خصائص نظام الإثبات الجزائي الحر
تميز هذا النظام بأنه منح القاضي دور فعال حيال الدليل الذي يوضع أمامه، و تميز أيضا بأنه منح للقاضي الحرية في أن يستعين بكافة طرق الإثبات للبحث عن الحقيقة و الكشف عنها، كما أعطى للقاضي كافة الصلاحيات التي تمكنه من إتخاذ ما يجده يخدم إظهار الحقيقة، و خول للقاضي الجنائي حرية تقدير قيمة و وزن كل دليل وضع بين يديه، و بالإضافة إلى التنسيق بين الأدلة المقدمة و إستخلاص نتيجة منطقية إما بالإدانة أو البراءة،أعطى هذا النظام لأطراف الخصومة الحرية في إثبات الواقعة القانونية من عدمها، و يكون لسلطة الإتهام حرية الإثبات بكافة الوسائل المشروعة و للمتهم أن يدفع عنه الإتهام بكافة الوسائل المخولة له قانونا، و يتدخل المشرع بوضع الأدلة القانونية في حالات معينة و هذا يعد إستثناءا لمبدأ حرية الإثبات.
الفرع الثالث : عيوب نظام الإثبات الجزائي الحر
رغم المزايا التي عرفها هذا النظام إلا أنه لم يسلم من النقد و عيب عليه :
- أنه إنطلق في إتجاه البحث عن الحقيقة و بأي وسيلة من الوسائل مما أفقد القاضي حياده، إذ كان المبدأ السائد هو عدم إفتراض براءة المتهم، مما أدى إلى إنتهاك حريته و إلصاق التهمة به دون النظر إلى مصلحته أو حقه في الدفاع عن نفسه .
- و عيب عليه أن الإجراءات الأولية في هذا النظام لم يكن لها صفات الأعمال القضائية و لكنها إتسمت بالبولسية خاصة في المرحلة الإبتدائية، و هذا ما جعل الأدلة التي تجمع في هذه المرحلة محل شك.
- و عيب أيضا عليه أنه سيطرت فيه سرية التحقيق و الخصومة و حبس المتهم لحين الفصل في الدعوى المقدمة ضده، و هذا ما غلب سلطة الدولة في جمع الدليل على سلطة المتهم.
- و عيب عليه أن أساس الحكم في الدعوى لم يكن بناءا على ما سمعته المحكمة و ناقشته في حضور المتهم و إنما ما تراه و تعاينه في الملفات المطروحة عليها و هذا ما جعل القاضي لا يحقق لا مصلحة العدالة و لا مصلحة المتهم.
المطلب الثالث : نظام الإثبات الجزائي المختلط
يقوم هذا النظام أساسا على مزج النظامين السابقين و أخذ الملامح لكل من نظام الأدلة القانونية و نظام أدلة الإثبات الحر و محاولة التوفيق بينهما و تلافي عيوب كل نظام و تجلى هذا النظام في محاولته التوفيق بين النظامين في صورتين رئيسيتين.
الصورة الأولى :
أن يتم التوفيق بين إقتناع القاضي و التأكيد القانوني المطروح من طرف المشرع في جميع الحالات سواء في حالات البراءة أو الإدانة و هكذا يكون كل من النظامين على قدم المساواة في التطبيق و في حالة ما إذا لم ينطبق إقتناع القاضي مع تأكيد المشرع أي الإقتناع الشخصي للقاضي و الإقتناع القانوني، فإن القاضي لا يستطيع أن يقضي لا بالإدانة و لا بالبراءة غير أن أنصار الإتجاه يرون بأن الحل في هذه الحالة بأن يقرر القاضي أن الإتهام غير مؤكد و بألا يحكم في نفس الوقت بالبراءة و لكن بتأجيل الحكم مع بقاء الدعوى معلقة أمام القضاء.
الصورة الثانية :
أن يتم التوفيق بين النظامين في حالة الإدانة فقط أي التوفيق بين قناعة القانون و قناعة القاضي فإذا لم يقنع القاضي بالأدلة القانونية حكم بالبراءة.
و يمكن القول أن المشرع الجزائري قد أخذ بنظام الإثبات الجزائي الحر و هذا ما يستشف من نص المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية غير أنه أخذ بنظام الإثبات الجزائي القانوني في حالات إستثنائية مثل ما نصت عليه نص المادة 341 من قانون العقوبات فيما يخص إثبات جريمة الزنا.
المبحث الثالث : مفهوم للإثبات الجزائي و أدلته
المطلب الأول : مفهوم الإثبات الجزائي
الفرع الأول : تعريف الإثبات الجزائي
لغويا :
الإثبات يعني الدليل أو البرهان أو البينة أو الحجة و الكلمة المستعملة حاليا في اللغة الفرنسية preuve و غيرها من اللغات المشابهة تشتق مصدرها من الكلمة اللاتينية probatio و هذا اللفظ الأخير يتعلق بـ Probus التي معناها الجيد الصالح و النزيه، و من هنا فإن كلمة إثبات تنصرف إلى كل عملية يكتسب بواسطتها إدعاء ما صحة فيصبح أكثر قوة .
قانونا : للإثبات معان ثلاث في القانون
1)- أنه العملية القانونية التي يقوم بها المدعي أمام القضاء لإظهار حقه المدني أو حق المجتمع في القصاص من الجاني و ذلك عن طريق الأدلة اللازمة.
فهو عملية الإقناع بأن واقعة حصلت أو لم تحصل بناء على حصول أو وجود واقعة أو وقائع مادية أو تقرير واقعة أو وقائع مثال ذلك : إقناع القاضي بحصول واقعة قتل بناء على حصول واقعة أخرى هي أن شخصا رأى المتهم و هو يقتل.
و من هنا جاء القول بأن عبء الإثبات على المدعى أي عليه بالمطالبة بعقاب الجاني .
2- أنه بيان العناصر أو الوقائع التي يعتمد عليها المدعى لإقناع القاضي بوجود الحق أو بأن واقعة حصلت أو لم تحصل لعلاقة هذه العناصر أو الوقائع بها و التي تدل على ذلك الوجود أو الحصول أو عدمه مثال ذلك : رؤية الشاهد الجاني و هو يقتل تصلح بينة أو إثباتا أو دليلا.
3- أنه النتيجة التي وصل إليها المدعي من إقناع القاضي بوجود الحق أو صحته أو بقيام الواقعة الإجرامية .
و هذه المعاني الثلاثة الس
ابقة تبين الأدوار التي يمر فيها الإثبات إذ يبدأ الإثبات بتعيين من يقوم به و يتحمل عبئه ثم يمر بدور تقديم الأدلة و أخيرا بالنتيجة التي يصل إليها .
الفرع الثاني : تمييز الإثبات الجزائي عن الإثبات في المواد المدنية
يعرف الإثبات في المواد المدنية : بأنه إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها .
تشترك الدعوى الجنائية و الدعوى المدنية في أن إثباتها يعتمد على تقديم الأدلة للقاضي و تهيئة الفرصة له لتكوين إقتناعه و إصدار حكمه، و يشترط في كلتا الدعويين أن تقدم الأدلة في مواجهة الخصم الآخر مع تمكينه من مناقشتها و الرد عليها وعدا ذلك فإن نظام الإثبات الجنائي يختلف عن نظام الإثبات المدني في عدة فروق جوهرية تتعلق أساس بالغرض من الإثبات و من حيث عبء الإثبات و وسائله.
1- من حيث غرض الإثبات :
الإثبات الجزائي ينشد الحقيقة و لا مانع أن تظل هذه الحقيقة محل بحث و تنقيب إلى أن تصل بمبلغ العلم و اليقين، فإذا لم يقدم الدليل الكامل على إدانة المتهم في الدعوى فلا يجوزالحكم عليه بعقوبة ما، بل يجب الحكم ببراءته لأن الأصل في الإنسان البراءة إلى أن تثبت إدانته بدليل تقبله المحكمة و لا يدع مجالا للشك فيه.
أما الإثبات في المسائل المدنية يفرض الفصل في نزاع بين طرفي الخصومة على حق يدعي به كل منهما.
2- من حيث عبء الإثبات :
تحريك و مباشرة الدعوى الجنائية يتم بمعرفة النيابة العامة بالإبلاغ عن الجريمة من المجني عليه أو الشرطة أو من أي فرد من أفراد المجتمع و لو كان مجهولا، و ما دامت الدعوى الجنائية تحرك ضد شخص تفترض براءته، فإن عبء الإثبات يقع على النيابة العامة حتى و لو كان محرك الدعوى هو المجني عليه في حالات إستثنائية ذلك أن دور المجني عليه يقف عند حد تحريك الدعوى العمومية دون إستعمالها، لأن خصومة المضرور تقتصر على الدعوى المدنية دون العمومية.
أما عبء الإثبات في المسائل المدنية فإنه يقع على الخصوم بحيث يلتزم كل طرف بأن يثبت الواقعة المدعى بها في مواجهة الخصم الآخر .
3- من حيث أدلة الإثبات :
أعطى القانون للقاضي الجزائي كامل الحرية في تقدير الأدلة المقدمة إليه في الدعوى الجنائية و وزنها و ترجيح بعضها على الآخر، و ذلك تطبيقا لمبدأ حرية الإثبات المقرر في المسائل الجنائية بإستثناء بعض الحالات المحددة حصرا .
.أما القاضي المدني فهو مقيد سلفا بأدلة الإثبات بحيث أن القانون حددها و أوضح الحالات التي تتخذ فيها كل طريقة من هذه الطرق و جعل للبعض منها حجة ملزمة بحيث تكفي بمفردها للإثبات كما هو الحال بالنسبة للإقرار أو اليمين الحاسمة .
إذن لا يتقيد الإثبات الجزائي بوجه عام بأدلة معينة فالقاضي أن يكون إقتناعه من أي دليل يقدم إليه و هذا بخلاف الحال في الإثبات المدني فإن القاضي يتقيد بالإقتناع بأدلة معينة.
4- من حيث دور القاضي في الدعوى :
يختلف دور القاضي الجزائي عن دور القاضي المدني حيث أن الأخير يقتصر دوره على إعمال الموازنة بين الأدلة المقدمة من الخصوم في الدعوى و دوره بهذا المفهوم دورا سلبيا، أما الأول فدوره يتعدى النطاق الضيق إلى مرحلة أكثر إتساعا بالبحث عن الحقيقة في الدعوى بكافة الطرق القانونية بحيث أجاز له القانون أن يطلب من تلقاء نفسه تقديم أي دليل يراه لازما و معينا في إظهار الحقيقة.
الفرع الثالث : موضوع الإثبات الجزائي
موضوع الإثبات هو حقيقة واقعية ذات أهمية قانونية، و معنى هذا أن موضوع الإثبات هو الواقع و ليس القانون، فأطراف الدعوى غير ملزمين بإثبات حكم القانون في الواقعة المسندة إلى المتهم بحيث أن القاضي يعلم ذلك و القاضي في تفسيره للقانون يخضع لرقابة المحكمة العليا .
هذا و يرد الإثبات على واقعة تنتمي إلى الماضي ، و معنى هذا أنه في مجال الإثبات الجزائي لا يجوز أن يكون موضوع الإثبات التنبؤ بوقائع مستقبلية..
و يرد الإثبات أيضا على " حقيقة واقعة " و هذا التعبير يتسع لحصول الواقعة و بظروفها ذات الأهمية القانونية و نعني ذات أهمية في سير الدعوى الجنائية إلى نهايتها في بصدور حكم فاصل في موضوعها بالإدانة أو البراءة.
الفرع الرابع : هدف الإثبات الجزائي
إن الهدف الأساسي للإثبات في المواد الجزائية هو إظهار الحقيقة سواء فيما يتعلق بالأفعال المرتكبة أو فيما يتعلق بشخصية المتهم الذي يكون محل متابعة جزائية.
* أولا : عنصر الحقيقة
يتوقف إقرار سلطة الدولة في العقاب على ثبوت وقوع الجريمة و نسبتها إلى المتهم، و لذلك لابد أن يتوخى قانون الأجراءات الجزائية كشف هذه الحقيقة بمعناها المادي الواقعي و يتحقق ذلك من خلال إجراءات الإثبات المختلفة التي تهيء جمع الدليل .
و ما تجدر الإشارة إليه أن الحقيقة التي يبحث عنها القاضي الجزائي ليست مطلقة فالقاضي الجزائي يبحث عن حقيقة خاصة هي الحقيقة القضائية، هذا و الحقيقة المقصودة هي الحقيقة الحقة و ليست الحقيقة النسبية أو المفترضة ذلك لأن الحقيقة التي تنتهي بالإدانة يجب أن تبنى على إقتناع يقينين، فالحقيقة لا يمكن توافرها إلا باليقين التام لا مجرد الظن و الإحتمال، و بمعنى آخر فإن اليقين هو مناط الحقيقة القضائية و هو الذي يولد في الوقت ذاته الثقة في حكم القضاء .
هذا و يستوي في الحقيقة أن تكون في صالح المتهم أو في غير صالحه لذلك فإن إجراءات الكشف عن الحقيقة لا ينبغي أن تتوخى إثبات الإدانة بقدر ما يجب أن تتسم بالموضوعية و الحياد.
* ثانيا : مميزات الحقيقة القضائية
تختص الحقيقة القضائية عن الحقائق المشابهة لها كالحقيقة التاريخية و الحقيقة العلمية ببعض الخصوصيات مستمد أصلها من تعريف الإثبات ذاته و المتمثل في جمع أدلة وقائع أو أفعال وقعت في الماضي من جهة و لأن القضاة لا يمكنهم ضبط الوقائع التي تصاحب إرتكاب الجريمة عن طريق المشاهدة، لأن هذه الوقائع تنسب لوقت مضى من جهة ثانية و هذا ما جعل البعض يذهب إلى القول بالتقارب بين الإثبات في المسائل الجزائية و الإثبات في المسائل التاريخية، ثم إن تطور وسائل الإثبات في حد ذاتها واستعانتها بالأساليب العلمية الحديثة لإظهار الحقيقة جعل الفقه يقول بالتقارب بين الحقيقة القضائية و الحقيقة العلمية
*الحقيقة القضائية و الحقيقة التاريخية :
يقترب عمل القاضي بعمل المؤرخ في أن كل منهما يتناول وقائع حدثت في الماضي و لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة إحداثها بنفس الطريقة الأمر الذي يجعل كل من الحقيقتين تنسب إلى الماضي، و القاضي في سعيه إلى إعادة تمثيل ما حدث في الماضي يعتمد على عدة وسائل و يقوم بعدة إجراءات تتعلق في مجملها بتصريحات الأطراف و شهادة الشهود و معاينة بعض الآثار المادية التي خلفتها الجريمة، و بتقدير كل هذه الوسائل مجتمعة يسمح للقاضي بالإنتقال من النقاط المجهولة إلى النقاط المعلومة أي من الشك إلى اليقين.
و يتميز عمل القاضي عن عمل المؤرخ في أن القاضي ملزم بإتخاذ قرار في المعطيات المتوفرة له سواء بالإدانة أو البراءة، أما المؤرخ فهو غير ملزم بإتخاذ قرار فبإمكانه أن يصرح أنه لم يصل إلى معرفة حقيقة الأحداث أما إذا إتخذ القاضي موقفا سلبيا بأنه لم يتوصل إلى معرفة الحقيقة و لا يمكنه الفصل في القضية أعتبر من الناحية القانونية منكرا للعدالة و من ثمة تنعقد مسؤوليته عن هذا الإنكار.
* الحقيقة القضائية و الحقيقة العلمية :
تقوم الحقيقة العلمية على بعض المعطيات لإثباتها في الميدان العلمي منها الملاحظة و التجريب، بمعنى تجريب الفعل و ملاحظته لإثبات النتيجة و تكرار العملية لعدة مرات إلى أن يحل المشكل نهائيا و تصبح الحقيقة العلمية يقينية مثال : الأكسجين + الهيدروجين = الماء .
و تمتاز الحقيقة العلمية بالشمولية و هذا على خلاف الحقيقة القضائية التي لا يمكن إحداثها من جديد بنفس الطريقة التي حدثت فيها كما تتميز الحقيقة القضائية عن الحقيقة العلمية في مجال العامل الزمني ذلك أن الباحث غير مقيد بزمن معين لإثبات الحقيقة عكس القاضي الذي هو مقيد بالأجال القانونية.
ثالثا : العوامل التي تؤثر في القاضي الجزائي عند بحثه عن الحقيقة القضائية
قد يتعرض القاضي الجزائي عند بحثه عن الحقيقة القضائية لعدة عوامل منها ما هو داخلي نفسي و منها ما هو خارجي مادي، أما العوامل النفسية الداخلية فمنها ما هو فردي و منها ما هو جماعي، فالعوامل النفسية الفردية تتشكل من خلال المعطيات التي تتوفر عن القضية التي ينظر فيها القاضي، و كذا إلى طبعه و ميزات شخصيته و بمدى تأثره بالضغوط التي تمارس عليه و مدى التعاطف الذي يبديه إتجاه المتهم، أما العامل النفسي الجماعي فإنه يظهر في التشكيلات الجماعية للمحاكم خاصة بالنسبة للمجالس القضائية و محكمة الجنايات ، ففي مثل هذه الحالات العامل النفسي يتشكل بالنظر إلى هيئة المحكمة ككل،
و إلى المتهم المساءل أمامها، و رأي الأغلبية هو الذي يعتد به، و من ثم فالعامل النفسي في هذه الظروف يكون برأي الأغلبية المشكلين للهيئة، أما العوامل الخارجية فهي عديدة إذ أن القاضي يقوم بوظيفة إجتماعية تتصارع فيها مصالح الأطراف الأمر الذي يجعله عرضة للتدخلات و أخطرها الصحافة التي تكون لها أراء ضاغطة قد يتبناها الرأي العام ضد القاضي.
الفرع الخامس : عبء الإثبات في المواد الجزائية
إن الأصل في كل إنسان البراءة سواء من الجريمة أو من الإلتزام و من يدعي خلاف هذا الأصل فعليه أن يثبت إدعائه و على ذلك يتعين على سلطة الإتهام أو المدعى المدني إثبات توافر جميع أركان الجريمة، غير أنه يثور البحث حول من يتحمل عبء الإثبات هل هو المتهم أم سلطة الإتهام ؟ .
* أولا : قرينة البراءة الأصلية
يقترن عبء الإثبات بقرينة البراءة الأصلية، و قرينة البراءة الأصلية تعني أن ينظر إلى الشخص مشتبها فيه أم متهم في جميع مراحل الإجراءات و مهما كانت جسامة الجريمة التي نسبت إليه على أنه بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات وفقا للضمانات التي قررها القانون للشخص، و أساس هذه القرينة الإتفاقيات و الإعلانات الدولية و كذا الدساتير و القوانين الداخلية منها الدستور الجزائري، و تتطلب قاعدة إفتراض البراءة في حق المتهم عدم مطالبته بتقديم أي دليل على براءته فله أن يتخذ موقفا سلبيا إتجاه الدعوى المقامة ضده و على سلطة الإتهام تقديم الدليل على ثبوت التهمة المنسوبة إليه، و تطبق قرينة البراءة الأصلية على جميع الأشخاص سواء كانوا مجرمين أو مبتدئون أو معتادي الإجرام كما تطبق في جميع الجرائم مهما كانت جسامتها و في جميع مراحل الدعوى العمومية من مرحلة جمع الإستدلالات إلى مرحلة الحكم النهائي
* ثانيا : عبء إثبات الجريمة
في المواد الجزائية يقع عبء الإثبات على عاتق المدعي و هو سلطة الإتهام و بالتبعية على المدعي المدني الذي يجب عليه إثبات عناصر الجريمة و تحقق الضرر و الرابطة السبيبة التي تربط هذا الضرر بسلوك المتهم، و النيابة عليها إثبات العناصر المكونة للجريمة فيجب عليها جمع عناصر الإثبات سواء للإدانة أو البراءة إذا ظهرت لها و تقدمها للقضاء لأنها بإعتبارها نائبة عن المجتمع يهمها إثبات براءة البريء كما يهمها إثبات إدانة المدان .
و على النيابة أن تثبت كل العناصر المكونة للجريمة سواء كانت هذه العناصر عامة أو خاصة :
1)- عبء إثبات الركن المادي :
على سلطة الإتهام و المدعي المدني إثبات الركن المادي مهما كانت طبيعة الجريمة، و على المدعي المدني إضافة لذلك إثبات الضرر.
- إذا كان الإتهام بجريمة شروع على سلطة الإتهام إثبات البدء في التنفيذ و عدم تمام الجريمة لسبب غير إختياري.
- و في حالة جريمة الإشتراك فإنه على سلطة الإتهام أن تثبت الواقعة الرئيسية المكونة للجريمة و القصد الجزائي و أحد أفعال الإشتراك المنصوص عليها قانونا.
2)- عبء إثبات الركن المعنوي : الركن المعنوي يتمثل في القصد الجزائي و الذي يعني العلم بإرتكاب فعل إجرامي و إرادة إرتكابه و هذا هو القصد العام و يقع على سلطة الإتهام إثباته.
و في بعض الجرائم يتطلب القانون نوع خاص من القصد و من أمثلة ذلك نية إزهاق الروح في القتل العمد و نية التملك في جريمة السرقة، ففي هذين الغرضين و في كل الجرائم ذات النتائج ينبغي على سلطة الإتهام أن تثبت أن الجاني كان يريد الوصول إلى نتيجة إجرامية محددة بدقة في القانون.
و العنصر المعنوي لا يقتصر فقط على حالة الجريمة التامة بل يكون واجب أيضا في حالة الشروع، و عبء الإثبات في هذه الحالة يكون على عاتق سلطة الإتهام .
- و إذا كانت الجريمة غير عمدية فإنه يجب على سلطة الإتهام إثبات خطأ المتهم، و هذا الخطأ قد يكون بسبب عدم التبصر أو الإهمال أو عدم مراعاة الأنظمة و كذلك يجب أن يثبت النتيجة الضارة التي نجمت عن هذا الخطأ، و في حال عدم مراعاة الأنطمة اكتفي النيابة بإثبات مخالفة المتهم لأحكامها و إثبات العلاقة السببية بين المخالفة و تحقيق الضرر.
3)- عبء إثبات ظروف الجريمة :
أ)- الظروف التي تغير وصف الرجيمة أو من طبيعتها :
مثال على ذلك السرقة بظرف الليل، ينبغي على سلطة الإتهام أن تحدد الوقت الذي وقعت فيها الجريمة، ما إذا كان هذا الوقت يقع في الفترة ما بين غروب الشمس و شروقها.
ب)- الظروف التي تغير مقدار العقوبة :
و هي التي تغير العقوبة بالتشديد أو التخفيف أو بالإعفاء مع بقاء الجريمة على وصفها، فإذا تعلق الأمر بتشديد العقاب، كما هو الحال في ظرف العود فإن على سلطة الإتهام إثبات حالة العود بمقتضى صحيفة السوابق القضائية.
4)- عبء إثبات الشروط المفترضة للجريمة :
قد يشترط القانون بالإضافة إلى قيام أركان الجريمة بعض الشروط الأخرى يلزم توافرها مثلا يشترط في جريمة خيانة الأمانة بالإضافة إلى ركني الإختلاس أو التبديد يجب أن يكون قد سبق إستلام الجاني للمال بناء على عقد من عقود الأمانة .
و إذا كان المبدأ السائد هو أن الإثبات يخضع لمطلق تقدير القاضي، غير أن المبدأ محصور في إثبات أركان الجريمة لا شروطها فهذا الشرط يخضع لحكم القانون الذي ينظمه مثلا : عقد الوديعة ينظمه القانون المدني و يخضع لإثباته للقانون المدني فقد قضى في فرنسا بأن يكون إثبات العقود وفق لأحكام القانون المدني و يبقى إثبات الإختلاس أو التبديد خاضعا لحرية تقدير قاضي الموضوع، و إذا كان الأمر يتعلق بعقد ذو طبيعة تجارية فيجوز إثبات العقد بكل الوسائل
5)- عبء إثبات طرق الدفاع :
في حال توافر سبب من أسباب الإباحة كالدفاع الشرعي أو مانع من موانع المسؤولية كالإكراه أو سبب من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية، إستقر القضاء أن يتمسك المتهم بالدفع دون أن يكون ملزم بإثبات صحته و على النيابة و المحكمة التحقق من صحة هذا الدفع، و إذا لم يتمسك المتهم بمثل هذا الدفع أمام المحكمة لم يخل ذلك دون واجب هذه المحكمة في التحقق من إنتفائها قبل أن تقضي بالإدانة .
غير أنه إستثناء قد يكون المتهم ملزم بإثبات دفاعه فهناك بعض المحاضر تكون لها حجية مطلقة لا يجوز الطعن فيها إلا بالتزوير كالمحاضر الجمركية، كما يوجد حالات يفترض فيها وجود الركن المادي في الجريمة مثلا في التشريع الجمركي هناك أعمال تحضيرية إرتقت إلى الجريمة التامة كما نصت عليه المادة 11 من الأمر 05/06 الصادر بتاريخ 23/08/05 المتعلق بمكافحة التهريب فإن مجرد حيازة وسيلة نقل معدة للتهريب أو حيازة مخزن مهيأ للتهريب عد ذلك تهريبا و يكون حجة على المتهم و قد تتحقق الجريمة بمجرد الحيازة .
كما يوجد عددا من الحالات يفترض فيها وجود الركن المعنوي و من تطبيقاته إفتراض علم الشريك في الزنا بزواج إمرأة زنى بها فقد إستقر القضاء على أن النيابة العامة لا تتحمل عبء إثبات علم المتهم بهذه الأمور و لا تقبل من المتهم الدفع يجهله بل عليه أن يثبت جهله راجع إلى قوة قهرية أو ظروف إستثنائية لم يكن في مقدوره أن يقف على الحقيقة.
يتبع ...
[/b][/center]